اهم الاخبارنوافذ الفكر

علاقة الوعي بـ(الجدل والحوار).. حلقات أسبوعية نناقش فيها قضايا اجتماعية مع (محمد فتحي الشريف)

اختفاء القامات

سلوك المجتمعات أحد أهم الأدلة على درجة (الوعي)، فعندما تنتشر الظواهر السلبية، ويحل الجدل محل الحوار، وتتربع السلبيات على عرش التصرفات بين الناس، وتصبح الإيجابيات أمورا غير مقبولة، ويتصدر المشهد الجهلة والمتطرفون، وتختفي القامات الثقافية والفكرية، وتختلط الحقائق في كل المجالات، فاعلم أن الوعي قد غاب عن هذا المجتمع واختفى.

الإعلام والسوشيال ميديا

ولذلك سوف أتحدث عن بعض المشاهد التي نعيشها في الإعلام والسوشيال ميديا والتي تؤكد على غياب الوعي واختفاء الحوار وظهور الجدل.

الفرق الجوهري

سوف أحاول أن ألقي الضوء على الفرق الجوهري بين الحوار والجدل والمراء، ثم نستعرض بعض التناول الإعلامي والسوشيال ميديا لبعض القضايا.

صراع ومغالبة

أولا: الجدل هو صراع ومغالبة بين المتحاورين، يختفي فيه الحقائق وتظهر فيه المنازعة والمغالية والخصومة وينتهي الأمر بالتلاسن والسباب والفرقة.

إفساد العلاقة

ففي الجدل يحاول كل طرف أن يفسد على خصمه ما يقوله من حجة للرد على كلامه أو إثارة شبهة في كلام الخصم، ويؤدي الجدل في النهاية إلى محاولة كل طرف أن يدخل على طرح أخيه المراء، وهو الشك والريبة في كل الطرح، وفي النهاية يصل المتجادلون إلى طريق مسدود، وكذلك من تبعهم، وقد يؤدي الجدال إلى فتن وصراع واقتتال.

 نقطة اتفاق

وأغلب المجادلين تكون لديهم نية مبيتة لبيان أخطاء بعضهم البعض، فليس بينهم نقطة اتفاق أو التقاء كما نقول، فكلاهما يطعن في كلام أخيه دون حجة أو سند أو حقيقة، بهدف إظهار الخلل في كلام من يجادله وتحقيره أمام الغير.

نقاش صحي

ثانيا: الحوار: هو نقاش صحي بين الأفراد بهدف الوصول إلى نتيجة وقرار يخدم الصالح العام، قد لا نتفق في وجهات النظر أثناء الحوار، ولكن يبقى بيننا ما يجمعنا من نقاط اتفاق للوصول إلى الحقيقة.

الحوار والجدل

هنا يتضح الفرق الواضح بين الحوار والجدل، فالحور يهدف للوصول إلى الحقيقة من خلال حوار صحي، في حين الجدل ليس لإظهار الحقيقة، إنما الهدف الطعن في الآخر وتحقيره بالصدق والكذب بالحق والباطل، وللأسف الشديد ما يدور في مجتمعنا العربي هو جدل وليس حوارا.

نقاط الاتفاق

ولذلك عندما تجد أحدا يتحدث معك ويقول عكس ما تقول في كل شيء، حتى لو كانت هناك نقاط مشتركة يتم تجاهلها ويركز على الخلاف، فاعلم أنك في جدال وليس حوارا، لأن الحوار يبحث عن نقاط الاتفاق ويتم البناء عليها حتى نصل إلى الحقائق.

آيات الجدل في القرآن

الحوار يتم في هدوء وبصوت منخفض دون مقاطعة وأن يستمع المتحاورون إلى بعضهم، والجدل يكون بصوت عال وضوضاء ومقاطعة وتجاهل، فالجدل آفة وهدم تضيع فيها الحقائق، والحوار بناء وتقارب للوصول للحقيقة.

مواطن الجدل في القرآن

قال الله (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) (سورة لقمان الآية 20)، وقوله تعالى (وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) (سورة غافر الآية 5)، لقد وردت كلمة الجدل في القرآن الكريم في (29) موضعاً، كلها جاءت بمعنى الخصومة إلا في أربعة مواضع فقط هي قول الله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (سورة المجادلة الآية 1)، والثانية قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ) (سورة هود الآية 74– 75)، والثالثة قوله تعالى (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( (سورة النحل الآية 125)، والرابعة (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة العنكبوت الآية 46).

الجدل مذموم

فالجدل مذموم ويؤدي إلى الخصام، ولذلك قيده الله عز وجل في القرآن بالحسنى، فالجدل هو حوار، والحوار ليس جدلا، ولكن مع غياب الوعي قد يصبح الحوار جدلا.

التعريفات والتوضيحات

وإذا أسقطنا التعريفات والتوضيحات السابقة التي تحدثنا عنها حول الحوار والجدل، نجد أن الوعي يلعب دورا مهما جدا في الحوار والجدل، فقد يحول غياب الوعي الحوار إلى جدل وصدام وتلاسن وصراع، وهو الأمر الذي يرتكز إليه المتربصون بالعرب الذين حولوا كل النقاشات بينهم إلى جدل أو حوار الطرشان الذي يؤدي في النهاية إلى الصدام والصراع.

تلاسن وخلاف

إن ما يحدث في المنابر الإعلامية العربية وصفحات السوشيال ميديا من تلاسن وخلاف وفضائح وإبراز النماذج السلبية بشكل مبالغ فيه جعل المعصية تهون عند الناس، فعندما تفعل ذنبا تنظر إلى المشهد من حولك وتقول هذا أمر بسيط بالنسبة لما يفعله فلان وفلان، وذلك من باب أن المعصية إذا عمت هانت وإذا خصت هالت.

صناعة الجدل

هذا بالإضافة إلى حالة التردي الثقافي والإعلامي والأخلاقي الذي نعيش فيه بسبب غياب الوعي، نجد صناعة الجدل تعمل وتنمو وتكبر بعد أن قضى غياب الوعي على الحوار البناء لنعود مجددا إلى ساحة الجدل ونترك العمل.

النماذج الإيجابية

لقد غابت النماذج الإيجابية واختلط الحابل بالنابل، فلن تقبل نصيحة عن الصلاة من تاركها، ولن تقبل نصيحة من فاسد عن طهارة اليد، ولن تقبل نصيحة من عاص عن الطاعة، وذلك تصديقا لقول الله عز وجل: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (سورة البقرة الآية 44).

وقول الشاعر أبو الأسود الدؤلي

يأيها الرجلُ المعلّمُ غيرَه.. هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ

ونراك تُصلح بالرشاد عقولنا.. أبدًا وأنت من الرشاد عديمُ

لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ.. عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ

ابدأ بِنَفسِكَ وَانَهها عَن غِيِّها.. فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ

فهناك يُقبل ما تقول ويُهتدَى.. بالقول منك، وينفع التعليمُ.

وفي الختام سوف نواصل الحديث في الحلقة المقبلة عن صناعة الجدل من خلال إلقاء الضوء على نماذج في هذا الإطار.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى