رؤى

د.سيف السعدي يكتب.. العراق وبنغلادش خلال 20 عام!!

لعل القارئ يتساءل مستغربًا ماالربط مابين العراق وبنغلادش ؟!!، لأن هناك صورة نمطية سلبية لدى اغلب العراقيين على الوضع الاقتصادي لدولة بنغلادش، ولاسيما ان هذه النظرة تعززت عن طريق عمل مواطني هذه الدولة في منطقة الخليج والعراق وكثير من الدول في مجال الخدمات سواء المنزلية او في المتاجر أو الشركات، ولكن الذي لا يعرفه غالبية المجتمع العراقي هو ان بنغلادش لغاية عام (٢٠٠٣) كانت من الدول الفقيرة جداً والتي لا يوجد لديها سوى المياه بسبب مناخها الممطر طوال ايام السنة، لدرجة ان الدخل السنوي لمواطنيها لا يتجاوز (٤٠٠) دولار سنوياً.

وهذا يعني يومياً يحصل الفرد البنغلاديشي دولار واحد، إلى ان بدأت قصة النجاح والنهوض بواقع مرير عندما استلم البلاد رئيس يطلق عليها “الشيخة حسينة” والثاني البروفسور “محمد يونس” الحائز على جائزة نوبل للسلام، هؤلاء لم يكذبوا على شعبهم واهتموا بقطاع التعليم، والزراعة، والصناعة وكانت صفة القيادة والإدارة الصحيحة حاضرة، واستثمرا وفرة المياه والتي نشطت الزراعة لاسيما محصول القطن وبنوعية جيدة والذي يدخل بصناعة الملابس باهظة الثمن، لانها تُعد من الماركات العالمية والتي تصدر لكثير من الدول العالم خصوصاً في اوربا، حيث اعطوا كل فرد (٥٠) مليون “تاكا” قرض وقالوا لهم اعملوا في صناعة الملابس، لان المجتمع البنغلاديشي رجال ونساء، صغار وكبار يعملون وهم منتجين، خصوصاً لديهم ابداع في صناعة الملابس، وهذه الخطة نقلت بنغلادش من حال إلى حال واصبحت الاولى بتصدير الملابس والماركات “البراندات” العالمية، وتُعد الدولة الأكثر بعدد الأثرياء، وخامس اسرع دولة بمعدلات النمو الاقتصادي، ومن المتوقع ان يصل حجم اقتصاد بنغلادش عام (٢٠٣٠) إلى (٧٠٠) مليار دولار ومتوقع ان تصل إلى (١٠) اقتصاد بالعالم، هذا وقد ارتفع معدل دخل الفرد الى (٦٠٠٠) دولار سنوياً، وهذا في غضون (٢٠) عام فقط!! عكس العراق الذي يملك ثروات هائلة وموارد بشرية مالذي تغير خلال (٢٠) عام؟؟ هل تقدمنا مثل بنغلادش؟؟ أم تأخرنا؟؟ مالذي غيرته الموازنات الانفجارية التفجيرية والتي تصل إلى أكثر من (١٣٠٠) مليار دولار خلال عشرين عام؟؟؟ الجواب واضح على الرغم من الثورات التي تحاول تصحيح مسار الطبقة الحاكمة بعد (٢٠٠٣) لاستغلال الثروات النفطية، والزراعية، والطبيعية، ومياه دجلة والفرات ولكن!!! هناك من يروم ابقاء البلد مستهلك وليس منتج، يتأخر لا يتقدم ولربما استحضر مقولة للكاتب والسياسي حسن العلوي يقول “عار على العراق يستجدي من جيرانه وقد منحه الله ثلاث نونات، نون النخيل، ونون النهرين، ونون النفط”، ماذا حصل بعد عشرين عام؟ جفاف نهري دجلة والفرات، تراجع العراق بعدد زراعة النخيل بعد ان كان الاول على العالم!!! ماذا لو كان الجواهري على قيد الحياة الان؟ بعد ان كان يتغزل بدجلة ويقول “حيّيتُ سفحَكِ عن بُعــــدٍ فحيـِّيني يادجلةَ الخيرِ يا امَّ البســــــاتينِ”، للاسف هذا واقع الحال خلال (٢٠) عام، اقتصاد متذبذب، سعر صرف دولار زئبقي، مشاكل متداخلة تدويرية، نستورد ابسط الاشياء من الخارج وهذا هو حالنا بسبب سوء الإدارة، لان لايوجد تمييز بين حكومة ودولة، أو بين سلطة ودولة لانه نظام هجين والحاكمية هي لسلطة الاحزاب مع غياب لدولة المؤسسات، والسبب يكمن ان الطبقة السياسية التي جاءت بعد ٢٠٠٣ لم تستطع التخلي عن النزعة الانتقامية وتنتقل من الفقه الراديكالي إلى فقه دولة المؤسسات، لم تستطع احزاب السلطة ان تنتقل من مرحلة حكم الطيف الواحد إلى سياسة حكم الدولة ذات الالوان المتعددة.

هناك مقولة للكاتب “فوكو” يقول “اعظم شيء جاءت به الحداثة الغربية انها قامت بالغاء فكرة البطل لصالح فكرة المؤسسة”، وهذا ما ينقصنا بالعراق هو دولة المؤسسات التي عن طريقها يستطيع البلد ان ينهض، وليس فقط شعارات كاذبة مضللة للجمهور، الشعارات يجب ان يتبعها عمل على ارض الواقع، مثل القوم الذين قالوا نحن نحسن الظن بالله فقد كذبوا، لو كانوا يحسنون الظن لاحسنوا العمل، ولك المقارنة والقياس مابين العراق وبنغلادش خلال (٢٠) عام.

بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك  وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى