هادي جلو مرعي يكتب.. كركوك من الإتفاق السياسي الى القرار القضائي
إنتقالة كبيرة بين أن يتم الإتفاق على جملة قضايا قبيل تشكيل الحكومة وأن يتم الإنقلاب على تلك الإتفاقيات بعد التشكيل في بلد تتنازعه الصراعات والمواقف المتنافضة، ثم تقع الحكومة المشكلة نتيجة لتلك الإتفاقات في حرج مابعده حرج، وتكون ضحية لقوى شكلتها ولقرارات قضائية لايمكن منعها، فهي صدرت بعد مرور شهور طويلة على الإتفاق، وعلى التشكيل. فمن يمكن أن يتحدث لقاض، ويقول له : إن قضايا مثل كركوك والمناطق المتنازع عليها والموازنة العامة والقوانين المتعلقة بالثروات هي جزء من سلسلة مضامين تخضع لمناقشات مطولة وإتفافات سياسية بين مكونات فاعلة بيدها الحل والعقد، بينما حصل أمر مغاير تماما حيث تبتعد القوى تلك عن كل ماإلتزمت به نتيجة ضغوط، أو لأنها لم تعد تهتم بماجرى الإتفاق عليه لأنها تجاوزت مرحلة الحاجة الى منح الوعود، وقطع العهود بعد أن وصلت الى ماكانت ترمي إليه من تلك الإتفاقات، وحققت المرجو كاملا، لكن ذلك في الواقع ليس أمر هينا حين يتزاحم القرار القضائي، مع الإتفاق السياسي، مع المواقف الشعبية بين قوميات وطوائف قد تدفع دفعا لإتخاذ مواقف، وتنجر لأفعال تؤزم الموقف.
اقرأ أيضا: د. سيف السعدي يكتب.. الاختفاء القسري بحاجة إلى تشريع حصري
قرار المحكمة في بغداد وقف إجراءات كان متفقا عليها بين الإطار التنسيقي المشكل للحكومة والحزب الديمقراطي يمثل مأزقا للحكومة الإتحادية التي وجدت إنها حصرت في زاوية ضيقة، ومطلوب منها أن تلتزم بمعايير سياسية وإتفاقات يتطلب الأمر المضي بها مع إن مواقف أتخذت ناقضت الإتفاق وعطلته، فكركوك مدينة تقع في جغرافيا تتنازعها رغبات ونوايا لاتتعلق بالداخل، وقد يكون أي سلوك سياسي سببا في مشكلة، ويستلزم موقفا رسميا حازما يلتزم بالإتفاق، ويوازن بين مشكلة المدينة والمواقف السياسية والمكاسب التي ترمي بعض الجهات تحقيقها من التصعيد، حتى وصلنا الى مرحلة التهديد بالتدخل كما سمعنا وشاهدنا، وقرأنا من مواقف كان واحدا منها تصريح الجنرال الأمني هاكان فيدان الذي يشغل منصب وزير الخارجية التركي الذي هدد بالتدخل في العراق لحماية التركمان في كركوك بحجة حمايتهم، مع إن تركيا تدخلت خلال سنين في مناطق واسعة من دهوك والموصل والسليمانية، وتسير الطائرات الدرون لقصف تجمعات وأشخاص وسيارات وتعطل حركة المطارات، وقد نصل الى مرحلة أن تحلق الطائرات التركية فوق بغداد وصلاح الدين وديالى بحجة حماية المصالح التركية، هذا إن لم تتدخل خلال الشهور المقبلة بحجة إن الموصل ولاية تركية، وكركوك مدينة تركمانية.
في الواقع فنحن في ورطة لانخرج منها بالردات العشائرية، ولابالعنتريات السياسية، وفوضى السلاح والتشدد، وتعطيل دور السياسة ونظام الحكم، والقفز على الإتفاقات لأن ذلك سيدخلنا في مأزق أعمق لسنوات قادمة يحتاج فيها العراق الى النهوض، وليس النكوص، ولابد من حل موضوعي والإلتزام بماجرى الإتفاق عليه بهدوء وترو وسكينة وحماية الأمن القومي، لأن الإشتباك السياسي قد يتحول الى إشتباك عسكري يدفع ثمنه الجميع، بينما التاريخ القريب يحكي لنا قصصا مروعة عن الموت والدمار والكيمياوي والتهجير والمقابر، ولانريد أن نعود لجزئيات صادمة في المشهد العراقي الذي صار حكاية تلوكها الألسن، وتتقاذفها وسائل الإعلام بعد حروب وحصارات وقرارات ومواقف ونزاعات ومشاكل تشتعل في الداخل، فيضع عليها الخارج المزيد من الوقود لتستمر في الإشتعال، ويعلو اللهيب ليحرق كل شيء، وتضيع فرص التنمية والبناء، ونظل ندور في فلك أمراء الحروب وسراق المال العام والباحثين عن مجد شخصي، وليس عن حياة حرة كريمة ينعم فيها الشعب بالكرامة والرفاهية.