د.سيف السعدي يكتب.. الموازنة العامة بين السياسة والمساومة
مشكلة تأخير إقرار الموازنة العامة ليس وليد الصدفة وكل سنة يحصل وتتأخر عن التأريخ القانوني المقرر لإقرارها بسبب الخلافات السياسية على سبيل المثال قانون الإدارة المالية رقم (٦) لسنة ٢٠١٩ المادة (٤) ثانياً: “تبدأ الموازنة السنوية من (١/١) وتنتهي (٣١/ ١٢)، ولكن لم يتم الالتزام بهذا التوقيت مطلقاً دائماً يتأخر اقرارها وتصل للشهر السابع ولربما التاسع والعاشر، وقد يصل الحال لن يكون هناك موازنة سنوية مثلما حصل في عام ٢٠٢٢، والفاعل السياسي يستند ايضاً للمادة (١٣) من نفس قانون الإدارة المالية والتي تتيح لوزير المالية الصرف بنسبة (١/ ١٢) فما دون من اجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة، واليوم يتكرر نفس السيناريو مابين المركز والاقليم بسبب تغيير بعض الصياغات والفقرات في بنود الموازنة العام الخاصة بالاقليم مثل المادة (١٣) و (١٤)، وهذه مخالفة دستورية للمادة (٦٢) والتي تنص على “اولاً: يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره. ثانياً: لمجلس النواب إجراء المناقلة بين أبواب وفصول الموازنة العامة، وتخفيض مجمل مبالغها، وله عند الضرورة أن يقترح على مجلس الوزراء زيادة إجمالي مبالغ النفقات”.
ولكن الذي حصل هو تغيير في صياغة بعض البنود وهذا ما اعتبرته المحكمة الاتحادية مخالفة بقرار سابق رقم (٣٥) لسنة ٢٠٢١ وكذلك قرار رقم (٢٥) لسنة ٢٠١٢ والذي يتحدث عن “ليس من صلاحية اللجنة المالية إجراء تعديلات جوهرية على مشروع الموازنة المقدم من قبل الحكومة”، مثلاً في المادة (١٣) و (١٤) ما يتعلق بتصدير ٤٠٠ الف برميل يومياً، ويقدر ب (١٠ ترليون دينار) وعبر شركة سومو حصراً، وهذا يعني تجريد الاقليم من ميزة تصدير النفط أي لا اموال من دون تسليم النفط وهذا يعني صلاحيات كاملة لوزارة النفط الاتحادية على الاقليم، غير ان الديمقراطي الكردستاني يرفض لانه يريد عبر اربع شركات وليس حصره بشركة واحدة، وكذلك فرض على الاقليم عدم استخراج النفط في كركوك ونينوى، فضلاً عن فتح حساب في البنك، غير ان البارتي يريد فتح حساب في بنك امريكي، وهذا دليل على ان الموازنة العامة هي شأن سياسي وليس اقتصادي.
الإطار يناور بوسائل وأدوات مثلاً إذا تحدث الاقليم عن الاتفاق السياسي الإطار يتحدث بالدستور!!! والعملية السياسية من ٢٠٠٣ لغاية اليوم هي تخضع للإرادة السياسية بعيداً عن التنظيم القانوني والدستوري، والسمة الابرز لكل الحكومات التي تشكلت بعد ٢٠٠٣ هي توافقية، شراكة، محاصصة، أي خاضعة للقرار السياسي أكثر من الدستور، والان استخدام أسلوب المساومة والذي يتمثل بالمماطلة بتطبيق ورقة الاتفاق السياسي مقابل تمرير بنود بموازنة الثلاث اعوام بسعر (٧٠) دولار لبرميل النفط دون الاخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الدولية السياسية والاقتصادية والعسكرية يعد مراهنة خطيرة لاسيما يوجد فيها عجز يصل ٢٣٪، والذي يخالف قانون الإدارة المالية اصلاً.
تحالف إدارة الدولة مكون من ممثلي الكتل السياسية وهم يمثلون توجهات جمهورهم ونوابهم، والموازنة الاتحادية العامة عرضت على مجلس الوزراء من ثم تحالف إدارة الدولة، ولكن الغريب بالموضوع هناك نواب باللجنة المالية يتحدثون عن امور فنية فضلاً عن ليس لنا علاقة بالاتفاق السياسي!!! وهذا دليل على ان الخطورة تكمن في المواقف والتدليس المبطن وليس المعلن والذي يفتقر إلى الطرف الضامن للتطبيق بنود الاتفاق السياسي.
اتوقع الإطار لن يجازف أكثر في تعميق الخلاف مع الديمقراطي الكردستاني لانه يعي جيداً قوة البارتي بزعامة السيد مسعود البرزاني، إذا ما أراد أن تمضي حكومة السيد السوداني بسلام بخلاف ذلك فإن الموازنة ممكن يستمر تعطيلها للعام المقبل.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب