القرآن الكريم كلام الله التام الصادق الذي لا يعرف التبديل أو التغيير.. رؤى الشرفاء الحمادي حول (الناسخ والمنسوخ)
الكاتب باحث ومفكر، مهتم بالشأن العام العربي والإسلامي وله العديد من المؤلفات والأبحاث المرموقة
الملخص
وجه المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي سؤالا إلى الذين يقولون إن آيات القرآن الكريم بها ناسخ ومنسوخ، قائلا لهم: إن الله أتم الرسالة، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، فبأي منطق تحكمون أيها الجهلاء على رسالة الإسلام أن بها ناسخا ومنسوخا والله يقول (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)؟ فكلام الله ليس به نسخ أو تبديل أو إزالة لأنه مقدس واضح البيان والأحكام من خبير عليم، وما تتحدثون به من كلام ينم عن جهلكم وعن نواياكم الخبيثة لخلق بلبلة خطيرة لدى الناس في العقيدة الإسلامية وإلى تفاصيل المقال.
التفاصيل
خلق بلبلة في العقيدة
كثر الجاهلون وتصدى المغيبون لخلق بلبلة خطيرة في العقيدة الإسلامية دون وعي وإدراك، بأن القرآن لم ينزله الله سبحانه إلا على رسوله الأمين، حيث كلفه ليبلغ الناس بآيات الذكر الحكيم ليهديهم إلى طريق الحق والرحمة والعدل والإحسان وينشر السلام بين كافة المجتمعات الإنسانية ليحقق لهم حياة كريمة وعيشا آمناً وسعيدا، وأمر الله رسوله محددًا مسؤوليته في حمل رسالته للناس كما جاء في قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) سورة (الأحزاب) الآيات (45-46-47-48).
التشريع حق إلهي والرسول مبلغ
إن الآيات السابقة قد وضعت خارطة طريق واضحة للرسول الأمين ليتبعها في دعوته للناس للدخول في الإسلام، وينصح الله رسوله بعدم طاعة الكافرين والمنافقين وتمسك بكتابه المبين ليدخل الناس في دين الله مسلمين آمنين، فليس لك أن تشرع من نفسك ولا يحق لك أن تضيف قولاً على آيات القرآن أو تبلغ الناس ما لم يكن قد كلفتك به في الخطاب الإلهي الذي أنزلته عليك، تلك هي المهمة التي ستقوم بتبليغ الناس بها كما يلي:
القرآن يهدي إلى الطريق المستقيم
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة الآية 151)، كما يبلغ الرسول عليه السلام الناس ويبين لهم أن القرآن الذي كلفه الله بإبلاغه للناس يهديهم إلى طريق الحق والصلاح في قوله سبحانه: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) سورة (الإسراء الآية 9).
الإعراض يساوي معيشة ضنكا
وقد حذر الله الناس في الذكر الحكيم بأن الله قد خيرهم بين طريقين في الحياة الدنيا كما يلي:
الأول: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)، والثاني: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (سورة طه الآيات 124-125-126).
مشاهد يوم القيامة
ثم يذكرنا الله سبحانه في مشهد من مشاهد يوم القيامة في قوله سبحانه: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (سورة الزمر الآية 71).
ليس في القرآن ناسخ ومنسوخ
ثم بعد أن بلغ الرسول عليه السلام للناس بآيات القرآن المجيد وحذرهم من مخالفة أوامر الله وعظاته وبشر الذين اتبعوا آياته بجنات النعيم والسعادة في الدنيا للذين طبقوا شرعة الله ومنهاجه في حياتهم وكانوا من الصالحين فبأي منطق يحكم الجهلاء برسالة الإسلام على آيات الذكر الحكيم ويفترون على الله بأنه سبحانه نسخ آياته وحل محلها أحكاماً أخرى في آيات القرآن الكريم بعد وفاة رسول الله المكلف بالخطاب الإلهي ليبلغ الناس به، وبالرغم من أن الرسول عليه السلام بلغ الناس جميعاً في حجة الوداع بقول الله سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، كما يؤكد الله سبحانه على أن رسالته للناس في قوله سبحانه الذي نطق به الرسول بلسانه ما يلي:
تمت كلمة الله صِدْقًا وَعَدْلًا
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (سورة الأنعام الآية 115)، فكيف تجرأ المجرمون على القرآن الكريم وحكموا على بعض آياته (بالمنسوخة) مرتكبين جريمة شنيعة في حق الله، فهل يا ترى أنزل الله سبحانه كتابا آخر غير القرآن على بعض الناس بعد ما شهد الله والرسول بأن الله قد أكمل رسالته وتمت كلمته صدقاً وعدلاً.
الله لا يكلمهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة
فماذا سيكون جزاء المفترين يوم الحساب الذين كفروا بآياته واعتدوا على أحكامه، ألم يحذرهم الله سبحانه بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (سورة البقرة الآية 174).
بين جزاء التزوير في الدنيا والآخرة
فإذا كان القضاء في هذا العالم يحاسب من يزور في قرارات ملكية ورئاسية وأميرية ويحكم عليه بارتكابه جريمة بشعة يحاكم عليها بقانون الجنايات فما بال الناس لا يفقهون بأن من يقوم بجريمة التزوير في عالم الإنسان يعتبر جناية فكيف سيكون حكم الذين يفترون على الله الكذب ويكتمون ما أنزل الله على رسوله الأمين من شرعة ومنهاج وعبادات وفرائض تحقق للإنسان التواصل الدائم بذكر الله في حياتهم ليتجنبوا ما حرم الله عليهم وما نهاهم عنه ليعيشوا حياة طيبة.
جزاء المفترين على الله
ألم يحن الوقت لمحاكمة كل من يأتي بفتوى من عنده معتمداً على ما قاله السابقون سنداً لفتواه ويستبعد المرجعية الوحيدة للإسلام وهو القرآن الكريم؟ وأن كل قول أو فتوى لا تستند إلى كتاب الله وأحكامه فهي في حكم الباطل، وسيحاسب الله الذين افتروا على الله وكذبوا بآياته حساباً عسيراً وستكون لهم جهنم مصيراً.
المفترون على الله الكذب
وقد أنذرهم الله منذ أكثر من أربعة عشر قرناً لنزول القرآن على الرسول عليه السلام في قوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (سورة يونس الآية 69).
اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ
ألم يسائلهم الله سبحانه بقوله بصيغة استنكارية بقوله تعالى: (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) (سورة المؤمنون الآيات 105: 107) ذلك سيكون جزاءهم يوم لا ينفع مال ولا بنون.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب