إدريس أحميد يكتب.. ليبيا والديمقراطية
الديمقراطية هي نظام سياسي يقوم على مبدأ مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات السياسية عبر التصويت أو من خلال ممثلين منتخبين. في هذا النظام، تُعتبر حقوق الأفراد وحرياتهم محورية، وتكون السلطة السياسية مستمدة من الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر. تشمل المبادئ الأساسية للديمقراطية حقوق الإنسان، وحكم القانون، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير، والمساواة أمام القانون.
(لماذا الديمقراطية )
الديمقراطية تُعتبر ضرورية لأنها توفر إطارًا يضمن مشاركة الناس في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم. هذا النظام يعزز العدالة والمساواة، حيث يُمكّن الأفراد من التعبير عن آرائهم وانتخاب ممثلين يعكسون مصالحهم. كما يعزز الشفافية والمحاسبة من خلال السماح بتقييم السلطات والمطالبة بتغييرها إذا لزم الأمر.
الديمقراطية تحارب التسلط والاستبداد، إذ تضع حدودًا للسلطة وتوزعها بين مؤسسات متعددة، مما يمنع تركز السلطة في يد شخص أو مجموعة صغيرة. من خلال هذا التوازن، يسعى النظام الديمقراطي إلى حماية الحقوق والحريات الفردية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
((ماهي اشتراطات تحقيق الديمقراطية ))
تحقيق الديمقراطية يتطلب توفر مجموعة من الاشتراطات الأساسية لضمان أن النظام يعمل بشكل فعّال وعادل. من بين هذه الاشتراطات:
* حرية التعبير:
يجب أن يكون الأفراد قادرين على التعبير عن آرائهم بحرية دون خوف من القمع أو العقوبات. هذه الحرية تشمل الصحافة المستقلة وحرية الرأي في الأماكن العامة.
* المشاركة السياسية: يجب أن يكون لجميع المواطنين الحق في المشاركة في الحياة السياسية، سواء من خلال التصويت أو الترشح للمناصب العامة.
* الانتخابات الحرة والنزيهة: يجب أن تكون الانتخابات مفتوحة للجميع، يتم تنظيمها بشكل شفاف وحر، مع ضمان عدم التلاعب أو التزوير في نتائجها.
* فصل السلطات:
يجب أن تكون هناك آليات واضحة للفصل بين السلطة التشريعية، التنفيذية، والقضائية، لتجنب تركز السلطة في يد واحدة أو مجموعة صغيرة.
* حماية حقوق الإنسان: حماية حقوق الأفراد، مثل الحق في الحياة، والحرية، والمساواة أمام القانون، أمر أساسي لتحقيق الديمقراطية. هذه الحقوق يجب أن تكون محمية بالقوانين والدستور.
* دولة القانون:
يجب أن يكون هناك احترام كامل للقانون، بحيث لا يكون هناك أحد فوق القانون، وتُطبق العدالة بإنصاف على الجميع.
* المجتمع المدني النشط:
وجود مؤسسات مجتمع مدني قوية وفاعلة يسهم في تعزيز الديمقراطية، من خلال مراقبة عمل الحكومة وتعزيز الشفافية والمشاركة.
* العدالة الاجتماعية والمساواة: تحقيق التوازن بين فئات المجتمع المختلفة، وضمان أن يكون لجميع المواطنين فرص متساوية في الوصول إلى الخدمات والموارد.
* التعليم والتوعية السياسية:
من الضروري أن يكون المواطنون مطلعين على حقوقهم وواجباتهم السياسية، وكذلك على كيفية المشاركة الفعّالة في النظام الديمقراطي.
كل هذه الاشتراطات تعمل معًا لضمان أن تكون الديمقراطية فعّالة، عادلة، وشاملة.
(الديمقراطية في ليبيا عهد المملكة)
في عهد المملكة الليبية (1951-1969)، كانت ليبيا أول دولة في شمال أفريقيا تحصل على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تأسيسها كمملكة تحت حكم الملك إدريس السنوسي. كانت هذه الفترة تعتبر مرحلة مبكرة للديمقراطية في ليبيا، رغم أنها واجهت العديد من التحديات.
ملامح الديمقراطية في عهد المملكة الليبية
•
الدستور الليبي (1951):
تم إقرار دستور المملكة الليبية في عام 1951، الذي نص على أن ليبيا ستكون مملكة دستورية. هذا الدستور منح الشعب بعض الحقوق السياسية، وأكد على ضرورة وجود برلمان منتخب بشكل ديمقراطي. كما نص على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
* البرلمان الليبي:
تم تأسيس مجلس النواب الليبي في عام 1952، وكان يتكون من ممثلين منتخبين من الشعب. وكان البرلمان يتمتع بسلطات تشريعية وإشرافية، ولكن عمله كان في إطار ملكي محدود حيث كان الملك إدريس الأول يحتفظ بصلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات الهامة، بما في ذلك تعيين رئيس الوزراء وحل البرلمان.
* الأحزاب السياسية:
في بداية عهد المملكة، كانت هناك بعض الأحزاب السياسية في ليبيا، مثل “حزب المؤتمر الوطني” و”حزب الجبهة الوطنية”. ورغم ذلك، كان النشاط الحزبي محدودًا بسبب قلة الخبرة السياسية وعدم وجود بيئة سياسية مستقرّة بما يكفي لتنمية هذه الأحزاب بشكل كامل.
* حقوق الإنسان والحريات:
رغم أن المملكة الليبية في عهد الملك إدريس كانت تسعى إلى احترام الحقوق المدنية والسياسية، إلا أن الوضع السياسي في البلاد كان يفتقر إلى التعددية الحزبية الفعّالة، وكانت هناك قيود على حرية التعبير والنشاط السياسي. كانت هناك رقابة على الصحافة والمجالات العامة، وكان هناك تدخل مباشر من الملك في بعض القضايا السياسية.
* التحديات السياسية والاقتصادية :
رغم أن البلاد كانت مستفيدة من العائدات النفطية التي بدأت في أوائل الستينيات، كانت هناك تحديات اقتصادية وتنموية كبيرة. كما كان هناك توترات بين الحكومة المركزية والمناطق المختلفة من البلاد، حيث كانت بعض المناطق تشعر بأنها مهمشة سياسيًا
عهد سبتمبر 1969
انتهجت البلاد نظام سلطة الشعب والمؤتمرات اللجان الشعبية، والانتخاب المباشر خلال التصعيد أو الاختيار المباشر .
وقد تبناها البعض لانه النموذج الوحيد ، وعارض البعض ولاندري مدي الاقتناع من عدمه .
وقد وجد إقبال كبير على المشاركة ، وتقلدوا المواقع على المستوي الإدارة المحلية والامانات على على مستوى الدولة .
ونظام القيادات الشعبية واللجان الثورية ،الداعمة لهذا المسارات
وانظمام اليها البعض ، وعارضها البعض .
(بداية المسار الديمقراطي )
وكانت آخر انتخابات برلمانية حرة كاملة عقدت في ليبيا هي تلك التي اعقبت استقلال ليبيا عام 1952، كما يعود اخر تصويت جرى في عموم البلاد الى عام 1965 ، حيث ظلت الاحزاب السياسية ممنوعة في ليبيا طوال العقود الماضية.
اجريت انتخابات المؤتمر الوطني ، وهي الاولي في تاريخ البلاد منذ أربعين عاما في 7-7-2012 ،
وضمت ” 200″ مقعد موزعة على 80 مقعد للاحزاب و “120 “مقعد للمستقلين ،
وقد شهدت إقبال كبير بلغ 2 مليون ناخب ، بمشاركة الأحزاب التالية :
1- تحالف القوى الوطني:
هو تحالفٌ سياسي ليبي معارض يتشكل من مجموعة من الاحزاب السياسية الصغيرة وبعض الشخصيات الليبية، وينادي بالاسلام المعتدل ودولة مدنية
2- حزب العدالة والبناء:
يمثل تيار الإسلام السياسي وكان مرتبطًا بجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وكان من أبرز الأحزاب في الانتخابات.
3- الجبهة الوطنية:
ضمت مجموعة من الشخصيات السياسية المستقلة والقوى الوطنية، وكان هدفها تقديم خيارات سياسية مختلفة بعيدًا عن تيارات الإسلام السياسي.
4- حزب الوطن:
كان أيضًا من الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، ويعتبر جزءًا من التيار الإسلامي المعتدل.
5- حزب التغيير:
تأسس بعد الثورة وكان يهدف إلى تقديم رؤية جديدة لإصلاح الوضع في ليبيا.
6- حزب التحالف الجمهوري:
حزب سياسي ليبي شارك في الانتخابات وكان يركز على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بالإضافة إلى هذه الأحزاب، شارك عدد من المستقلين والعديد من التحالفات الصغيرة التي شكلت جزءًا من الخارطة السياسية الليبية في تلك الفترة.
( انتخابات المؤتمر الوطني العام 2012 )
حصل حزب “العدالة والبناء” المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، ومن تحالف معه على “23 ” مقعداً من مجموع 200 مقعد ، وحصل تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه الليبرالي الراحل رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الانتقالي “محمود جبريل” على “39” مقعداً.
اما المستقلون ، فقد حصلوا على “120 “مقعد ، وينتهي اغلبهم إلي
التيار الديمقراطي ، ولكن التيار الإسلامي استطاع استمالة البعض منهم ، لا ضعاف الليبراليين
على الرغم من فوز تحالف القوى الوطنية في انتخابات المؤتمر الوطني العام، إلا أن التيار الإسلامي نجح في السيطرة على مفاصل المؤتمر. ذلك كان نتيجة لعدة عوامل، منها التحالفات السياسية التي أبرمتها الأحزاب الإسلامية، وكذلك قوتها في التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية في تلك الفترة ، وارتباطها بالكتائب المسلحة التي هددت ، بأفشال العملية السياسية ،ورفضوا قيام الراحل محمود جبريل ، بتشكيل حكومة ودعموا منافسه ” ابوشاقور”
في جولة الاعادة بعد دعمهم له ،واقروا قانون العزل السياسي ،لاقصاء كفاءات وخبراء ، ورأه البعض المقصود هو الراحل محمود جبريل .
( انتخابات مجلس النواب 2014)
جاءت انتخابات مجلس النواب في 25 يونيو 2014 ، والتي دخلها المترشحون كمستقلين وفاز فيها مترشحي التيار الوطني والليبرالي
بأغلبية المقاعد، وحصل التيار الإسلامي على ” 30 ” مقعد .
وكانت نسبة الإقبال على الانتخابات ضعيفة جدًا حيث شارك 18% فقط من الناخبين المسجلين.
رفض الإسلام السياسي والتشكيلات المسلحة النتائج ، واطلقوا عملية فجر ليبيا بين التشكيلات الموالية للتيار الليبرالي والتشكيلات
الإسلامي والتيار الليبرالي، داخل العاصمة ،
وانقسمت البلاد الى حكومة معترف بها دوليًا مقرها في طبرق بقيادة البرلمان المنتخب “مجلس النواب ”
، وحكومة الوفاق برئاسة السراج ، والحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني ، و حكومة الانقاد الوطني .
( اتفاقيات الحلول المؤقتة )
1- اتفاق الصخيرات 2015
استطاع المبعوث الأممي مارتن كوبلر ، جمع الأطراف السياسية ، في 17 ديسمبر 2015 ، لانهاء الحرب التي اندلعت عام 2014 .
وتم تشكيل حكومة الوفاق بتسع رؤوس، ولم تستطيع انجاز مهامه في استقرار البلاد ، لعدة أسباب أهمها وجود التشكيلات المسلحة .
بل فتحت المجال لتدخلات الخارجية ، ووقعت اتفاقتين مع تركيا ، أمنية وبحرية ، في ظل حاصر الجيش الوطني للعاصمة طرابلس .
انتهت حكومة الوفاق ،
توقف القتال ، وجاء الحوار السياسي بمايعرف لجنة 75 في جنيف 2021 ، التي شكلتها نائبة المبعوث المستقيل اللبناني غسان سلامة ” ستيفاني ويليامز ” ،وانجزت الاتفاق السياسي ، والذي اختار حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، كلفت الحكومة بعدة مهام، واهمها المعالجة الاقتصادية والتجهيز للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021 ،والتي سجل فيها مايقارب من “3 “مليون ناخب ، وعدد ” 100″ مرشح رئاسي .
ولكنها لم تقام بسبب التدخلات الخارجية ، ولم يحرك الليبيين ساكن ومر الأمر مرور الكرام .
فشلت حكومة الوحدة الوطنية ، وزادت من الأزمات، وازداد الفساد وصعوبة الوضع الاقتصادي،ودخلت في خلافات مع مجلس النواب الذي منحها الثقة .
ولازال المبعوثين يتواردون على ليبيا ، ووصل عددهم ل10 مبعوثين .
هل البلاد جاهزة للديمقراطية ؟
يتبادر للذهان بعد فشل تحقيق الديمقراطية :
1- سقط النظام الذي منع تدوال السلطة بعد 42 عاما .
2- لم يكن هناك مشروع سياسي ووعي مجتمعي لتحقيق الديمقراطية ويدافع عنها بقوة .
3- عدم جاهزية المجتمع الليبي للعملية الانتخابية ، بسبب الواقع الاجتماعي والتعصب القبلي والمناطقي والجهوي والايدلوجي ، والممارس من طرف المتعلمين والنخب ، مما يشكل مشكلة كبيرة .
4- سيطرة أطراف معينة على مفاصل الأمور، واتخذت من شماعة الديمقراطية، ذريعة للاقصاء وكما حدث في قانون العزل السياسي، وادخلوا البلاد في الفساد غادرها بعدما استفادة ماديا .
5- لازالت التشكيلات المسلحة تسيطر على المشهد ، وترفض إنهاء وجودها من أجل مصالحها ، ولن تسلم السلطة لرئيس أو حكومة ، ولذلك تعتمد الحكومات عليها وتدفع لها الأموال لكسب ولاءها .
5 – لم يتم تطبيق القرارات الدولية بحق المعرقلين، ومنها التشكيلات المسلحة ، وتخدم أجندة خارجية
مما يؤكد بأنها حبر على ورق .
6- لازال الدستور حبيس الإدراج منذ عام 2017 .
الخلاصة ..
المجتمع الليبي يعاني من تراكمات ثقافية واجتماعية نتيجة للظروف الصعبة التي مرت بها البلاد على مدار السنوات الماضية.
وازداد الأمور طيلة السنوات ال 14 ، بسبب الحروب والنزاعات السياسية والاقتصادية أثرت بشكل كبير على الشخصية الليبية والسلوكيات المجتمعية. هذه التراكمات تتجسد في العديد من الجوانب مثل ضعف الثقة بين أفراد المجتمع، وارتفاع معدلات العنف، بالإضافة إلى بعض السلوكيات التي قد تكون نتيجة لضغوط الحياة والتحديات المستمرة .
لذلك يعتقد الكثيرون في ظل الفوضي وانتشار السلاح خارج شرعية الدولة ، وفشل المدنيين في المسار السياسي ، وانتشار ظاهرة الفساد لدى الحكومة و داخل المجتمع .
فأن أولوية البلاد هو تطبيق القانون ، لانهاء ظاهرة الفوضي ،
من خلال سلطة قوية وعادلة ، فلا ديمقراطية في ظل انعدام الأمن والاستقرار .