حقوق الضعفاء ضاعت بين اللصوص والأشقياء.. رؤية حول ما يحدث في فلسطين للشرفاء الحمادي
الكاتب باحث ومفكر، مهتم بالشأن العام العربي والإسلامي وله العديد من المؤلفات والأبحاث المرموقة
الملخص
القوة تفرض الحق، قاعدة تعامل بها الناس منذ خلق آدم إلى اليوم، وذلك بغض النظر عن كون المفروض حقا أم باطلاً، وبتلك القوة تم الاستيلاء على فلسطين، وتم إضعاف العرب بالتآمر عليهم وزرع الخلاف والشقاق بينهم، وجاء مؤتمر لندن ليدعم الكيان الصهيوني، واتفق البريطانيون والفرنسيون على تقسيم الوطن العربي بينهم وأُعلنت اتفاقية (سايكس- بيكو)، وتم تغييب العقول العربية، وصدقنا وعود اللصوص، وتحول العرب إلى أعداء متناحرين، وعقدت قمم عربية وأبرمت معاهدات واهية، وجمدت قرارات مجلس الأمن بشأن انسحاب إسرائيل، وضاعت حقوق الضعفاء بين اللصوص والأشقياء، ومع ذلك برز قادة عرب وزعماء مخلصون وقفوا مع فلسطين وساندوا مصر في حرب أكتوبر المجيدة، ولذلك يجب علينا أن نتوقف عن الدوران في حلقات مفرغة قد تتحول إلى مفزعة.. فإلى تفاصيل المقال.
التفاصيل
القوة تفرض الحق
من يملك القوة يملك الحق، وهذه القاعدة هي المتعامل بها في الحياة الدنيا منذ خلق آدم.. إذا استرجعنا قراءة التاريخ؛ سنجد أن من ملَكَ القوة فرَضَ الحق، بغض النظر إن كان حقًا أم باطلًا، وعلى صاحب الحق أن يتقصّى بداية الجريمة التي ارتُكبت في حقه حتى يستطيع أن يعدّ لاسترجاع حقه الإعداد المطلوب، من تقوية أواصر أبنائه وتعزيز إيمانهم بحقهم وسد كل الثغرات التي تفرّقهم وتُضعف قوتهم.
الاستيلاء على فلسطين
ورغم مرور أكثر من قرن من الزمان منذ بدء التخطيط للاستيلاء على فلسطين؛ حينما دعا رئيس الوزراء البريطاني آنذاك (هنري كامبل) الدول الاستعمارية في ذلك الوقت وهي (بريطانيا/ فرنسا/ هولندا/ بلجيكا/ إسبانيا/ إيطاليا)، وتم عقد مؤتمر في لندن بحجة حماية شريان التجارة العالمية وتأمين قناة السويس التي تربط بين الشرق والغرب، والتي تحيطها الدول العربية من كل جانب.
مؤامرة إضعاف قوة العرب
يتطلب الأمر خلق وطن غريب عن العالم العربي يقسِّم الوطن العربي بين مشرق ومغرب؛ ليسهل عليهم تقليص نهضته وإعاقة تطوره وتقدمه وحرمانه من استغلال ثرواته الطبيعية من بترول وغاز ومعادن.
(مؤتمر لندن) ودعم الصهاينة واليهود
وأن تتعاون الدول المجتمعة في مؤتمر لندن لتسهيل ودعم الصهاينة اليهود بكل الوسائل السياسية والعسكرية والمالية؛ حتى يتحقق ميلاد وطن قومي لليهود في قلب الأمة العربية يمزق جسدها ويفرّق شعوبها ويخلق الفتن فيما بينهم وينشأ الصراع والقتال لديهم؛ لكي تكون الدولة الإسرائيلية في مأمن، وتستطيع أن تسلب أكبر قدر من الأراضي لتبني المستوطنات، والعرب وأصحاب الأرض الفلسطينيون مشغولون بأنفسهم.
تقسيم الوطن العربي
ثم بعد ذلك اتفق البريطانيون والفرنسيون على تقسيم العالم العربي بينهما، وأُعلنت اتفاقية (سايكس- بيكو) وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا سنة ١٩١٦م، ثم تبعها وعد (بلفور) وزير خارجية بريطانيا سنة ١٩١٧م، الذي تضمَّن إعلان تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين في ٢ نوفمبر ١٩١٧م، وقامت دولة إسرائيل في ١٤ مايو ١٩٤٨م، بعد انتهاء الانتداب البريطاني الذي ساهم ودعَّم وساعد في قيام دولة إسرائيل منذ مؤتمر لندن سنة ١٩٠٧م إلى ١٤ مايو سنة ١٩٤٨م.
تغييب عقول العرب
أستعرض ذلك المشهد في عُجالة؛ ليستدرك العرب أنهم مغيّبة عقولهم، ضائعة حقوقهم، فهناك وصاية استعمارية على مستقبلهم، غير مدركين ما يُخطط لهم وينساقون بالوعود باسترجاع حقوق الفلسطينيين، والإسرائيليون يبنون المستوطنات، وتمر السنون والعرب يسعون خلف المفاوضات وقرارات مجلس الأمن، علمًا بأن من يُملي قرارات مجلس الأمن نفس أعضاء مؤتمر لندن المعقود سنة ١٩٠٧م الذي استهدف إنشاء وطن قومي لليهود.
وعد اللصوص
فكيف يصدّق المسروق وعود اللصوص أن يعيدوا له حقه؟! أليست تلك مأساة أمة ضاعت منها بوصلة متطلبات القوة والوحدة والتعاون والتخطيط للمستقبل في مواجهة أي اعتداء على الحقوق العربية!
معاهدات واهية
حين ساهم الإنجليز في قيام الجامعة العربية ليشغلوا العرب بقرارات قمم عربية لا تجد لها مكانًا من التنفيذ أو الاحترام في الالتزام بقراراتهم، وعلى سبيل المثال اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعَّها القادة العرب سنة ١٩٥٠م تحت اسم (معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي)، فهل تم تطبيقها، بالرغم مما مر على مختلف الدول العربية من عدوان وغزوات من قِبل دول افتقدت كل قيَم الأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان واستباحت ودمرت أقطارًا عربية مثل العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا؟
المشاركة في العدوان
اليوم ومع كل الحزن والمرارة التي تعصف بالإنسان العربي حينما يجد بعض الدول العربية يشارك في العدوان والتدمير ضد أشقائه العرب، وفي مثل تلك المواقف العربية التي تخلَّت عن الوفاء بالعهود والمواثيق العربية.
احترام العالم
فكيف سيحترمنا العالم ويقيم لنا وزنًا، بل على العكس سيزيد من وطأته على العالم العربي، وكل منهم يستحوذ على نصيبه من الثروات العربية، ينهب كما يستطيع ويشاء في كل وقت.
قرار مجلس الأمن
لماذا لم يتم تنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربي الذي أقره مجلس الأمن رقم (٢٤٢) بتاريخ ٢٢ نوفمبر ١٩٦٧م والقاضي بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها قبل يونيو ١٩٦٧م بما فيها الأراضي الفلسطينية، والعرب يتساءلون لماذا لم ينفذ قرار مجلس الأمن المذكور أعلاه أكثر من خمسين عامًا؟!
هل تعرفون السبب؟ فهو كما يلي:
١- الدول الرئيسيّة في مجلس الأمن بعضها متورط في قيام دولة إسرائيل ومن مصلحتهم استمرارها واستمرار توسعها على حساب الأراضي الفلسطينية والحقوق العربية.
٢- استمرار الخلافات بين الدول العربية واشتراك بعضهم مع الأتراك وغيرهم من الدول الطامعة في الثروات العربية في العدوان على أشقائهم.
لم يجد أصحاب القرار في مجلس الأمن قوة عربية واحدة وقدرات متوافقة على اتخاذ مواقف واحدة للمطالبة بالحقوق العربية ولديها من القدرات والإمكانيات بأن تضع ضغوطًا على بعض الدول العربية المؤثرة، باستخدام كل القدرات المتاحة في الدول العربية؛ الأمر الذي لم يتحقق ولم تتوفر النية المخلصة لمواجهة العدوان على الحقوق العربية بالعزيمة والإيمان وتنفيذ اتفاقية الدفاع المشترك.
٣- نضرب مثلًا على موقف دولة الإمارات أثناء حرب أكتوبر سنة ١٩٧٣م وما قرره الشيخ زايد (رحمه الله) عندما أصدر إعلانه بقطع البترول عن أوروبا وأمريكا مما خلق ضغطًا هائلًا على أمريكا وحلفائها الذي نتج عنه حذو الدول العربية حذوه مما أدى إلى وقف الحرب وصدور قرار مجلس الأمن (٢٥٢).
ومثل تلك المواقف المشتركة التي قادها بكل إيمان وعزيمة الشيخ زايد (رحمه الله) بشجاعة القوي بإيمانه بالله وبدعم أشقائه، فبمثل تلك القيادات التي تفتقدها الأمة العربية اليوم، تستطيع أن تلزم كل الدول العربية أمريكا باحترام الحقوق العربية.
ولكن ليعلم الجميع أن حقوق الضعفاء تضيع بين اللصوص والأشقياء، فالمؤامرة على الأمة العربية ليست وليدة اليوم؛ إنما بدأ التخطيط لها منذ سنة ١٩٠٧م في مؤتمر لندن ونحن نتعاون معهم ونحسبهم أصدقاء وحلفاء.
فكيف نصدق من كان سببًا في استعمار الوطن العربي ونهب ثرواته أن ينصفنا في استرجاع الحقوق التي كان أعضاء مجلس الأمن السبب الرئيس في ضياعها؟
متى يستيقظ العرب؟
فلندع الزمان والتاريخ يأخذ دورته إلى أن يأتي يوم تستيقظ فيه الأمة العربية وتدرك أنه لا بديل لوحدتها ولا طريق لمستقبلها وأمنها إلا بإيمانها بالمصير المشترك وتنفيذ اتفاقيات الدفاع العربي لحماية الأمن القومي العربي من المحيط إلى الخليج.
فالله أدعو أن تستيقظ عقول القادة ويوحدوا صفوفهم ويتناسوا أضغانهم ويتقوا الله في شعوبهم، ويطيعوا الله فيما أمرهم بقوله: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» (آل عمران: 103).
ويحذرهم وينصحهم بقوله: «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (الأنفال : 46).
يكفينا مفاوضات استمرت خمسون عامًا مثل ما يحدث مع الأشقاء في مصر (مفاوضات للاتفاق على ملء سد النهضة)، عشر سنوات والمفاوضات لم تتوقف في حلقة مفرغة، والقادة الإثيوبيون يبنون في السد ولم يتوقفوا، لماذا؟ لأنهم مكلفون بمهمة تعطيش مصر وتجويعها وتعطيل نموها لحساب أصحاب كتاب أشعيا الذي قرر الانتقام من مصر بواسطة النيل، والإصحاح رقم 19 في سفر أشعيا يوضح المؤامرة منذ ألفي عام.
فانتبهوا أيها المصريون ولا تستمروا في مفاوضات تضييع الوقت وأنتم تعلمون أهداف القادة في إثيوبيا ومن يقف خلفهم، وخطاب (نتنياهو) في البرلمان الإثيوبي دليل واضح على تنفيذ مخطط شرير.
توقفوا عن الدوران في حلقات مفرغة ستتحول يومًا إلى حلقات مفزعة.
انتهي الحديث والأحداث مستمرة
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب