رؤى الشرفاء الحمادي في (الزكاة) وإرساء قواعد التكافل الاجتماعي في الإسلام
صاحب الرؤية المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي - كل ثلاثاء في موقع مجلة رؤى
في رؤية اليوم يقدم لنا المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي طرح معالجة لـ (قضية الزكاة)،إذ يعتبرها الكاتب أحد ركائز التكافل الاجتماعي في الإسلام ،فهي تزكي المال وتعد اختبار حقيقي لكل مسلم رزقه الله بمال وثروة ،في الطرح التالي تفاصيل القضية ومعالجتها فالي النص:
الزكاة تزكي النفس
الزكاة سميت بهذا الاسم، لأنها تزكي النفس البشرية وتطهر المال، وتجعلها مطواعة للخير، بعيدة عن الشر، بفعلها يصلح المجتمع ويأتلف، فيصبح متماسكًا قويًا كالبنيان المرصوص.
التكافل الاجتماعي
فالزكاة جعلت ركنًا وفرضًا حالها حال الصلاة والصيام وحج بيت الله الحرام، مصدقًا لقول الله تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” سورة البقرة 110.
أَعْطَى وَاتَّقَى
والله -عز وجل- يدعوا من آمن واتقى ونهى النفس عن الهوى، وصدق عهده مع الله، وآثر الله والتزم بطاعة أمره، وأيقن بوعد الله في مضاعفة ماله إذا تصدق وتزكى وأقرض الله قرضًا حسنًا، يتبين في قول الله تعالى: “فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى * إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى * فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى *لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى“
الزكاة اختبار
والزكاة هي اختبار لكل مسلم رزقه الله بمال وثروة يؤدي ما عليه من فرض الزكاة وفق ما حدده الله سبحانه في تشريعه نسبة خُمس الربح الصافي، فمن اختار طريق اليُسر وابتغاء وجه ربه الأعلى فلسوف يرضى، وعده الله بمضاعفة رزقه في الدنيا وجنة النعيم في الآخرة، وأما من لم يصدق بالحسنى ويبخل واستغنى فسيصلى نارًا، خسر الدنيا والآخرة
الإنفاق في سبيل الله
والهدف المحوري في الخطاب الإلهي، ألا وهو إرساء قاعدة التكافل الاجتماعي في أجل صوره، وكان تعبير الخطاب الإلهي” الإنفاق في سبيل الله ” ، وهذا الإنفاق هو نوع من الجهاد، وعليه يُعد سعي الأمة للتكافل فيما بينها جهادًا في الله وسعيًا إلى مرضاته، وفي ذلك يقول الله تعالى: ” مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” البقرة 261
والزكاة صدقة وقرض حسن واضح في المحاور التالية .
1-الزكاة صمام أمان الأوطان فهي فريضة الزكاة في التشريع الإلهي الضمانة الحامية لروح التكافل الاجتماعي داخل الأوطان، حين أرادها فرضًا وعبادة يأثم تاركها إن كان قادرًا على البذل في حين أنه سبحانه وتعالى قد أعفى الفقير من العطاء، فليس عليه من زكاة ما دام غير قادر، لذا شرعت لتكون بمثابة التقاء بين الأغنياء والفقراء فيه يعطي من منحه الله المال لمن هو في أشد الحاجة إليه، وذلك باعتبار أن المال هو مال الله، وقد جعل الله الأغنياء وسائط ووسائل لتوصيلة لمستحقيه، حيث يُعتبر الزكاة في الخطاب الإلهي من هذا المدخل تكون طوقًا للنجاة من الفقر، حين يعطي من معه لمن ليس عنده ما تقوم به حياته وتستقر
الزكاة تزكية للمال
2- فريضة الزكاة لم تكن حصرية لرسالة الإسلام فحسب، بل إن الزكاة كانت فريضة رئيسية أيضًا فيما قبل رسالة الإسلام، كونها الضمانة الهامة والمحورية في بقاء الأمم سالمة آمنة متعافية من داء الفقر والعوز والضعف، حيث تأتي الزكاة لتزكية مال الغني المقتدر وتطهره فيبارك الله له فيه ، ويضاعف له ما انفق من صافي أرباحه حسب النسبة المقررة في التشريع الإلهي وهي 20% بحسب قول الله تعالى: “وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ، (سورة الأنفال41
إصلاح للنفس
3- الزكاة إصلاح للنفس وتطهير المال بمعنى أن ينحصر هدف الزكاة في صلاح المجتمعات وأعمارها فحسب، بل يتجاوز هدف الزكاة لما هو أبعد من ذلك، حين يكون هدفها ضمن ما حوته من أهداف عُليا هو تربية النفس وإعلاء وتيرة السمو الإنساني والروحي لدى المسلم، حين تكون آثار الزكاة وقائية علاجية للجوانب الروحية لما قد ينتاب الإنسان من الانزلاق في درك المادية القاتلة والأنانية وحب الذات
قرض حسن
4- الزكاة صدقة وقرض حسن، باعتبارها الجسر الذي يعبر بالمسلم من دنس عبودية المال وكنزه إلى العطاء والبذل ومن ثم تطهير النفس كي لا يكون المال هو كل همه وفي لب فؤاده. وتأتي الزكاة لتجعل المال مكانه في غير القلب والأعماق، فيسهل على المرء بذله في سخاء وكرم كي لا يصاب المسلم بأخطر داء قد حذرنا منه الله – سبحانه وتعالى- وإنه داء الشح وهو أشد داء وأكثر ما يصيب هؤلاء الأغنياء أولئك الذين حذرهم الله من خطورة داء الشح بقوله تعالى : “وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” سورة الحشر 9
اقتران الصلاة والزكاة
5- الزكاة مقرونة مع الصلاة في مواضع عديدة في كتاب الله للدلالة على عظم منزلتها، مما يؤكد أن إقامة الصلاة تطهير للقلب،أما الزكاة هي كذلك تطهير ولكن متعلق تطهير للمال بواسطة الصدقة، فهي أيضًا تؤدي نفس النتيجة للذين ينفقونها في سبيل الله.. تأكيدًا لقول الله تعالى: ” وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ” ﴿٤٣ البقرة﴾ “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ”، ﴿٨٣ البقرة﴾، وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ” ﴿١١٠ البقرة﴾، “وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا”﴿١٧٧ البقرة﴾، “وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ” ﴿٢٧٧ البقرة﴾، ” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاة” ﴿٧٧ النساء).
مصارف الزكاة
قول الله تعالى : “وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”، فالزكاة صدقة وقرض حسن” أن المقصود بهم هم الذين يؤمنون بحق الفقراء والسائلين والمحرومين، هم الذين قال الله عنهم: أولئك الذين يؤمنون بهذا الحق في أموالهم
والفئات المستحقة للإنفاق والصدقة والزكاة هم: “الوالدين، ذوي القربى، اليتامى، المساكين، ابن السبيل، الفقراء، المؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، الغارمين، وفي سبيل الله، اليتامى، العاملين عليها، السائلين، المحروم” ، وهذا ما نص عليه القرآن الكريم في قول الله تعالى: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، سورة التوبة60
تحقيق المكاسب
تعتبر هذه الفئات المذكورة سلفًا المستحقة للإنفاق عليها مستثناة من دفع الصدقة والزكاة، لذلك حددت الفئة التي فرض الله عليها دفع الصدقات والزكاة الذين تحققت لهم المكاسب من خلال مشاريعهم التجارية والزراعية والصناعية.
وأصبحت الزكاة محصورة في المكاسب فقط دون تحديد مدة وزمن معين التي يلتزم الإنسان بدفعها لمصارف الصدقة والفئات المستحقة ما يعادل 20% .
مصادر الصدقة
تعتبر مصادر الزكاة كما يلي
1-المال النقدي، يتمم تحديد الصدقة بنسبة 20% من الأرباح
2-الزراعات، بعد حصادها بعد أن تخصم مصاريف الإنتاج من الدخل وتخصص نسبة 20% للصدقات من الأرباح أو المكاسب
3-أصحاب المصانع، يتم خصم تكاليف الصناعات المنتجة بعد بيعها وما يتحقق من أرباح تخصص نسبة 20% ليتم إنفاقها للصدقات
4-الأنعام، حيث أن الأنعام تتوالد ويرزق الله الناس ما يعادل الضعف كل سنة فيتم تخصص 20 % من الزيادة التي تحققت بفعل التوالد يتم بيعها ويؤخذ ناتج البيع لتخصيصه للصدقات
5-المتاجرة بالأسهم أو العقار، فكلما تحقق في كليهما مكسبًا بعد خصم المصاريف الرأسمالية وجب على الإنسان استقطاع وانفاق ما نسبته 20 % من مكاسبه لصالح الزكاة
الركن المالي الاجتماعي
وفي النهاية أقول إن “القرآن الكريم جعل أول ما يجب في المال من الإنفاق هو الزكاة، وهي الركن المالي الاجتماعي في الإسلام، الركن الثالث بعد الشهادتين وبعد الصلاة”، وأشار إلى أن الزكاة ليست هي الحق الأوحد في الإسلام،فهناك حقوق في المال بعد الزكاة تعتبر حقوق واجبة أيضًا ومنها : حق الماعون أي حق الضيف حق قسمة التركة، وطعام المسكين،وأخيرًا يؤكد المفكر علي الشرفاء بأن المنكر لسنة الله وقوانينه في الكون هو نفسه المنكر لحقوق العباد في مال الله، فهو بذلك يعيش لنفسه ولا يهتم بغيره.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب
تعريف بالكاتب
شعل المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي ،منصب المدير الأسبق لديوان الرئاسة بدولة الإمارات العربية، ورئيس مؤسسة رسالة السلام العالمية، الكاتب لديه رؤية ومشروع استراتيجي لإعادة بناء النظام العربي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وينفذ مشروع عربي لنشر الفكر التنويري العقلاني وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب والعنف الذي يُمَارَس باِسم الدين،وقدم الكاتب للمكتبة العربية عدداً من المؤلفات التي تدور في معظمها حول أزمة الخطاب الديني وانعكاسه على الواقع العربي.