هادي جلو مرعي يكتب.. هل يصح أن يفخر الإنسان بلسانه؟
هنا سيقولون ، نعم فلسان أهل الجنة عربي، ولغة العرب هي الفخر والرفعة والتميز وكل مسلم في العالم يتلو القرآن بها، فيجدر الفخر باللسان، ولكني أعني شيئا آخر، وهو ليس ببعيد عن الوصف الذي عنيته في المقدمة أعلاه، وأعني اللسان الذي يتحدث به الإنسان، ولاأعني لغة بعينها، بل اللسان كآلة تنتج الكلمات، وهنا لافرق أن يكون اللسان عربيا، أو تركيا، أو فرنسيا، أو إنجليزيا، أو فارسيا، أو بأي لغة من لغات العالم المجهول منها والمعلوم. فهناك آلاف اللغات ومليارات البشر، ولكن اللسان واحد وهو عضلة يمكن أن تمتد من بين الفكين، وتتذوق الطعام، وتلتذ، وتشعرك باللذة التي تريحك وتستهويك وتدفعك للبحث عن المزيد من اللذائذ.
حدثت صديقي عن طريقتي في الكلام وعن إستخدام اللسان فهناك كلام متزن محدود، وهناك ثرثرة تثير سخط الآخرين، وهناك كلام يخرج بطريقة تسبب مشكلة ولذلك فالكلام سلاح قاتل حين يصيب غير هدفه، ورب كلمة جرحت نفسا، وهناك قول مأثور إن الإنسان مخبوء تحت لسانه فإذا نطق صدقا وحقا وأدلى بحديث منمق واضح نافع أثار الرضا في النفوس والقبول، ولو إنه نطق بالسوء من القول لتسلب بمشكلة، وفي حديث شريف ( إن أكثر مايكب الناس على وجوههم يوم القيامة حصاد ألسنتهم ) والمعنى واضح وربما تلمسته كل يوم، بل كل دقيقة حين أراقب الناس وأسمع ماينطقونه من قول وقد تبين لي إن عمليات القتل والنهب والسلب أقل بكثير من جرائم اللسان، فهناك قتل نتيجة لخلاف بين إثنين، وربما تسبب اللسان بحرب، ومشاكل عميقة، فالقتل ربما كان سببه اللسان، أو إنه يدفع القاتل ليقتل، ويدفع المقتول ليكون ضحية، بينما يشتهر عامة الناس بالغيبة التي معناها أن يقوم الشخص بذكر شخص آخر بمالايرتضيه في غيبته، وتجد السحر ينتجه كلام وتعويذات، والنميمة بفعل اللسان والنفاق والكذب والإفتراء وشهادة الزور وقول الزور، فيكون اللسان في هذه الحال بطل يوم القيامة الذي بسببه يدخل غالب الناس الى جهنم، وبسببه يدخل ناس الى الجنة لأنهم أمسكوا ألسنتهم عن الفاحش من القول، وأمسكوها عن كل مايؤدي الى حصول مشكلة قد لاتنتهي إلا بمصيبة.
والسؤال: هل يصح للإنسان أن يفخر بلسانه؟ وجوابه عندي نعم، شرط أن يبذل جهدا في ذلك فهو يمكن أن يكون وسيلة لجمع المتخاصمين ليتفقوا على حل، وبه تؤخذ الحقوق، وعندنا في الريف يقولون: الحقوق تريد حلوق. والمعنى الدقيق إن الذي يطالب بحقه عليه أن يمتلك لسانا ينطق بمايقنع الآخر، ويلزمه بالنزول عند رأي صاحب الحق وقد يكون الكلام في حضور جماعة من الناس فيتطلب ذلك كلمات قوية صادقة فاعلة مؤثرة تستهوي النفوس، وتحرك العقول، فيكسب صاحب الحق قلوب الحاضرين، فيميلوا الى طلبه ليس إنحيازا، بل عن قناعة في كلامه الذي ألزمهم النزول عنده، والرضا به ومنحه مايطلب حيث تأكد لهم إنه جاء بالحق.
حين يكون اللسان سليطا حادا مؤذيا يجلب لصاحبه النقمة، وعدم القبول، فيتجنبه الناس، وينفرون منه، وإذا ما نطق بالصدق والحكمة والنصح والتوجيه والكلام الطيب صار لسانا يصفه الناس بقولهم، إنه لسان ينقط عسلا لأنه إستهواهم فأحبوه، ورغبوا به، ولطالما رأيت أناسا يتمسكون ببقاء ضيف عندهم، ويكرمونه ويفسحون له في المجلس ليتحدث بما يشاء، وهم منشدون له فرحون به، ولعلهم يتمنون في السر أن لايغادر فهو ينطق بالحكمة، ويمازحهم، ويأتيهم بكلمات عذبة، وتراه يستجلب ضحكاتهم مرة، ودموعهم مرة، ويجعلهم في ذهول في أخرى خاصة حين يمتلك المعرفة، ويختزن الحكايات والنكات والحكيم من القول، وهذا لسان مرغوب فيه محبوب ومطلوب، ومنهم من يمتعض، أو يسخر من ثرثار، فيقول عنه:،إنه بلع لسان طير لأن الطير لايتوقف عن الصفير والهديل والنعيق، وبكل مسميات الأصوات التي هي لغات للطير. فنعيق الغراب يفهمه غراب، وهديل الحمام يفهمه الحمام من بعضه، إنما هم أمم أمثالكم، ولعل الهدهد كان من أوائل المخلوقات التي مارست العمل الصحفي حين قال لسليمان معتذرا عن تأخره في الحضور الى سلطانه: جئتك من سبأ بنبأ يقين، وبدل العذاب كرمه سليمان.
بعد الإطلاع على المقال يمكنك متابعة مركز العرب على فسيبوك وتويتر وشاهد قناتنا على يوتيوب